مجتمع

هل السعادة تغمر حياة المغاربة؟.. كماليات الحياة واستلاب التكنولوجيا

“السعادة عندي أن أجد فرصة عمل تضمن لي لقمة عيش كريم”، يقول شاب عاطل عن العمل، بينما يرى موظف أن السعادة بالنسبة له “ترقية في الوظيفة وزيادة في الراتب”، أما سيدة عاقر فالسعادة عندها سماع كلمة “ماما”، لكن هناك أيضا من يحس بالسعادة بامتلاك هاتف أو حذاء أو القدرة على السفر.

هذه السعادة شعور واحد يتغلغل في كيان الشخص، يحس به من الأعماق، لكن تعريفاتها وتوصيفاتها تختلف من فرد إلى آخر، ومن مجموعة بشرية إلى أخرى، بل حتى من بلد إلى آخر أيضا، فالسعادة عند المغاربة ليست هي السعادة عند الفنلنديين مثلا.

شعور واحد ووضعيات مختلفة

في مؤشر دولي للسعادة لسنة 2023، جاء المغرب في الرتبة 100 بحصوله على 4.9 درجات من مجموع 10 درجات في الترتيب العام، وهي مرتبة خولت له التمركز ثامنا في القارة الإفريقية، وسابعا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (مينا)، بعد الإمارات والسعودية والبحرين والجزائر والعراق وفلسطين.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1608049251753-0’); });

لكن هذه السعادة كيف يشعر بها المغاربة؟ وليد، شاب في سن الرابعة والعشرين، قال ل- إن السعادة الغامرة عنده تتمثل في أن يجد وظيفة يقتات منها “طرف ديال الخبز”، ويستطيع بها بناء عش الزوجية مع من اختارها رفيقة لحياته.

وبحسب الشاب وليد، فإنه مادام يشعر بنفسه عالة على أسرته وعلى مجتمعه، ومادام لم يجد عملا كريما يلائم شهادة الإجازة التي حصل عليها، ومادام أنه يقضي ساعات طويلة في طرق أبواب الإدارات والشركات، فلا سعادة يشعر بها حاليا.

سعيد وقاد، موظف في إدارة عمومية، يرى من جهته، ضمن تصريح ل-، أن السعادة تملأ جوفه وكيانه عندما يرتقي في السلم الوظيفي والمهني، أو عندما يحصل على حوافز مالية أو حتى معنوية، تمنحه شعورا بالرضا الداخلي.

بينما رقية، في الأربعين من عمرها، فلم ترزق بأولاد رغم زواجها منذ أزيد من عشر سنوات. لهذا، فإن كل السعادة أن ترزق بطفل أو طفلة يناديها أو تناديها “ماما”، معتبرة أن “الشعور بالأمومة سعادة ما بعدها سعادة”، وفق تعبيرها.

الاستلاب التكنولوجي والسعادة

يقول الدكتور زهير البحيري، أستاذ السوسيولوجيا في جامعة أكادير، إن التفكير في السعادة من وجهة نظر علمية يستلزم بالضرورة نوعا من التنظير الذي قد لا توفره كثير من القياسات والبحوث التي تعنى بهذه المسألة، بمعنى التصور العام والخلفية التي تقارب من خلالها القضايا المرتبطة بالسعادة، الأمر الذي يظهر في التفاوتات المسجلة بين عدد من الدول في مؤشر السعادة العالمي.

ويعتبر البحيري أن أبعاد السعادة عند المغاربة قد لا تنفصل في كثير من محدداتها عن باقي المجتمعات الأخرى، ذلك أن الحياة المعولمة والمدن الرأسمالية جعلتا تجسيد السعادة يتحدد انطلاقا من كل أشكال التبادل المادي المشكلة لثقافة الاستهلاك.

يشرح الباحث في علم الاجتماع فكرته بالقول: “إن الاستلاب المتزايد لكل ما توفره التكنولوجيا والعالم الافتراضي يقلص لا محالة من تقديرات شعور الأفراد بالسعادة والرضا عن حياتهم”.

مقابل ذلك، يتابع البحيري، يفاقم هذا الاستلاب مؤشرات المشاعر السلبية، التي لا ترتبط فقط بالعزلة الاجتماعية وضعف “الرابط الاجتماعي”، وتزداد حدته مع الصعوبات المرتبطة بارتفاع مستويات التضخم والآثار المختلفة التي خلفتها الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية.

كماليات الحياة الاجتماعية

ولفت الأستاذ الجامعي نفسه، ضمن حديث مع -، إلى أن كماليات الحياة الاجتماعية تعتبر من المحددات الأساسية في تفسير مسألة السعادة عند المغاربة، التي تتحدد من خلال امتلاك سيارة، أو هاتف ذكي، أو حتى السفر إلى وجهات مختلفة.

واسترسل البحيري بأنه مقابل ذلك، “لا يزال المخيال الاجتماعي للفئات المتقدمة في السن يتمثل السعادة من خلال النجاح في التدبير العقلاني لصعوبات الحياة المعاصرة، المتجلية في امتلاك السكن، وتعليم جيد للأطفال، وهامش أكبر من الحرية والديمقراطية بأبعادها ومرجعياتها الفلسفية والاجتماعية”.

وأردف المتحدث بأن “الضمير الجمعي يحتفظ في جزء منه، لاسيما في الأوساط القروية، بأن السعادة تتمثل عبر توفر الحاجيات الأساسية لوجود الأفراد والجماعة، وقوة الرابط الاجتماعي بعيدا عن سطحية العلاقات وتعاظم الهوة والعزلة الاجتماعية”.

واستدرك البحيري بأنه لا يميل إلى ترسيخ نوستالجيا السعادة القروية، لكنه يرى أن “السعادة الفردية، بغض النظر عن التمايز الاجتماعي أو المهني أو السني أو الجغرافي، إنما تتحدد انطلاقا من السعادة العمومية والحق في السعادة”.


المصدر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى