مجتمع

قياديون يناقشون الاجتهاد في نصوص الإرث.. مرجعية الهوية وتغيير العقلية

في خضم النقاش الدائر حول إجراء تعديل شامل على بنود مدونة الأسرة، عادت إلى الواجهة دعوات تطالب بالاجتهاد في النصوص المتعلقة بالإرث، بغاية “تحقيق المناصفة ورفع الحيف عن النساء”، بحسبها.

فاعلون سياسيون من الأغلبية والمعارضة يرون أن نقاش الإرث من المواضيع التي ينبغي أن يتم الحسم فيها داخل إطار المؤسسات الدينية، فيما يعتبر بعضهم أن الدستور المغربي يقوم على الدين الإسلامي ولا يمكن أن يشمل الاجتهاد نصوصا قطعية.

خديجة الزومي، نائبة رئيس مجلس النواب، ورئيسة منظمة المرأة الاستقلالية، أكدت أن التيار السياسي الذي تنتمي إليه غايته “ترسيخ المودة والمعروف والإحسان في التعامل، وليس الصدام مع الرجل”، مشيرة إلى أن “المجتمع المتوازن هو الذي يستحضر الأطراف الثلاثة، نساء ورجالا وأطفالا”.

googletag.cmd.push(function() { googletag.display(‘div-gpt-ad-1608049251753-0’); });

وأفادت الزومي، في تصريح ل-، بأن “هناك عددا من الأمور التي يجب أن تناقش، كمسألة الحضانة، وتزويج القاصر وغيرها، لكن النصوص القطعية التي تحدث عنها الإسلام خط أحمر، كموضوع الإرث”.

وقالت القيادية الاستقلالية: “نحن حزب محافظ نشتغل بمرجعية إسلامية، وفي دولة إسلامية. صحيح أن هناك قوانين واتفاقيات دولية لكنها لن تسمو على الهوية وعلى التواجد المغربي”.

كما أكدت الزومي أن “الملك محمدا السادس أطر النقاش، وبالتالي لم يعد هناك اختلاف”، مضيفة: “يجب أن نجتمع على الحالات الحقيقية التي ينبغي أن يطالها التعديل وألا ننغمس في التشرذم أثناء النقاش، والغوص في الجدل بين أقصى اليمين وأقصى اليسار. يجب أن نكون مغاربة بأجندة وهوية ووثيقة دستورية مغربية”.

وتابعت المتحدثة بأنه “في حالات الاختلاف توكل الاجتهادات للمؤسسات المختصة”، مردفة: “لا يمكننا الاجتهاد في نص فقهي، فهناك مجالس علمية ومؤسسة إمارة المؤمنين، ومهمتنا أن نثير الإشكالات ونؤكد على أنها إشكالات حقيقية، ولكن الحلول يتعين أن تكون مجتمعية وتخص جميع الفئات”.

أصالة ومعاصرة

لالة الحجة الجماني، عضو المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، أكدت أن “الرجوع إلى الخطاب الملكي كاف لتحديد الإطار العام للنقاش العمومي في هذا الموضوع”، مشيرة إلى أن “الكلمة الأخيرة ستكون لأصحاب الاختصاص”.

وقالت المتحدثة في تصريح ل-: “أنا مطمئنة لأن السلطة الدينية في بلادنا تحت رئاسة ورعاية أمير المؤمنين، وهو الوحيد القادر على تحقيق التوازن المطلوب في هذه الأمور. وأنا جازمة أيضا بأن الخصوصية المغربية هي التي ستنتصر في النهاية”.

وأشارت الجماني إلى أن “الدفاع عن تصورات الشعب المغربي، بمختلف أطيافه وفي احترام لجميع مرجعياته الدينية والفكرية، دون فكر إقصائي، من واجب ممثلي الأمة”، مبرزة أن هذا التوجه يجسده الاسم الذي اختاره حزبها لنفسه “الأصالة والمعاصرة”، ومضيفة: “ازدواجية الأصالة والمعاصرة لن تجد جوابا عنها إلا في النموذج المغربي، الذي أثبت على مر التاريخ قدرته على التكيف مع التطورات المجتمعية والبنيوية، دون التفريط في المرجعيات الدينية والروحية للمغاربة”.

كما قالت المتحدثة إن “من حق جميع التيارات الفكرية إبداء الرأي وطرح تصوراتها للشعب المغربي، ولباقي الفاعلين الذين لهم علاقة مباشرة بهذا الموضوع”، مسجلة بإيجابية “تميز المغرب بخاصية تجذر مؤسسة إمارة المؤمنين، الضامن الأساسي للتوازن بين مرجعية الأمة المغربية الأصيلة، الثابتة والمتجذرة، وطموح الوصول إلى دولة مغربية حديثة ومعاصرة بخصوصية وطنية”.

وفي هذا السياق أكدت السياسية ذاتها أن “الملك حدد المنهجية التي يجب التعامل بها في هذا الموضوع، في خطابه بمناسبة عيد العرش، حيث لفت إلى أن ‘مدونة الأسرة ليست مدونة للرجل، كما أنها ليست خاصة بالمرأة؛ وإنما هي مدونة للأسرة كلها، فالمدونة تقوم على التوازن، لأنها تعطي للمرأة حقوقها، وتعطي للرجل حقوقه، وتراعي مصلحة الأطفال’”، موردة أن الملك شدد أيضا على ضرورة التزام الجميع بالتطبيق الصحيح والكامل لمقتضيات المدونة، وتجاوز الاختلالات والسلبيات التي أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها، إذا اقتضى الحال ذلك.

وأوضحت الجماني أن “المشرع الدستوري حدد مجالين لاختصاصات الملك، في الفصلين 41 و42، يتعلق الأول بإمارة المؤمنين، بينما يحدد الثاني اختصاصاته كرئيس للدولة”، وزادت موضحة: “تدخلنا كفاعلين سياسيين يبقى مقتصرا في إطار علاقتنا بالسلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا يجب أن ينسحب إلى مجالات أخرى، وهو ما أكد عليه الملك في الخطاب نفسه عندما قال: ‘فإنني لن أحل ما حرم الله، ولن أحرم ما أحل الله، لاسيما في المسائل التي تؤطرها نصوص قرآنية قطعية’”.

كما أشارت المتحدثة إلى أن الملك “أزال اللبس في تحديد الخيط الناظم بين الحقلين الديني والمؤسساتي الحديث حينما أضاف: ‘من هنا، نحرص أن يتم ذلك في إطار مقاصد الشريعة الإسلامية، وخصوصيات المجتمع المغربي، مع اعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية’”.

ترسيخ قيم التضامن

من جانبه اعتبر محمد أوزين، الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، أن “المعركة الحقيقية هي ترسيخ قيم التضامن وتغيير العقليات”.

وقال أوزين: “في موضوع الإرث ليس هناك ما يمنع الأخ بعد اقتسام الإرث وفق الشريعة أن يعمل مبدأ المساواة ويهب بعضا من نصيبه لأخته”، مضيفا: “المغربي الحر ما عمرو يرضى يشوف ختو في أمس الحاجة ويخليها…”.

ونبه المتحدث في تصريح ل- إلى ما وصفه بـ”الاستفزاز والاستفزاز المضاد”، مبرزا أنه “أخطر ما يعرقل مسار الإصلاح”، وأن “باب الاجتهاد مفتوح لكن في إطار احترام النصوص القطعية”؛ كما أكد أن “الحوار حول تعديل مدونة الأسرة يجب أن يتم في أجواء التعايش والعيش المشترك، لكون الأمر يتعلق بتماسك الأسرة التي هي النواة الأساسية للمجتمع”.

وذكر أوزين مقتطفا من الرسالة الملكية الموجهة إلى المشاركين في لقاءات فاس حول المقدس والحداثة يوم 02 يونيو 2007، موردا: “من هذا المنطلق فإن التمسك بالمقدس لا يعني الانغلاق أو التحجر، مثلما أن الأخذ بالحداثة لا يعني الاستلاب أو الاغتراب. وبالنظر للعلاقة التي ينبغي أن تربط بين المقدس والحداثة فإن المقدس بدون تفاعله مع الحداثة يبقى كالجسد المحنط. كما أن الحداثة بدون قيامها على المقدس تظل عديمة الروح؛ ما يجعل منهما مفهومين متكاملين، غير متناقضين”.

شقاء الأسرة

يعد حزب العدالة والتنمية من أكثر الأحزاب رفضا للاجتهاد في موضوع الإرث، إذ هاجم أمينه العام، عبد الإله بنكيران، المواقف الداعية إلى المناصفة في الإرث، واصفا إياها بـ”الشاردة عن الدين الحنيف، الذي ينبني على الكتاب والسنة والإجماع والقياس”.

وسبق أن أورد بنكيران، في بث مباشر على صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أننا “مع هذه الدعوة خرجنا من مرحلة تغليف مطالب الجمعيات النسائية من تصحيح أوضاع الأسرة إلى المناصفة التي لا تراعي خصوصيات الرجل والمرأة، ومبنية على تعارض واضح مع نص ثابت في كتاب الله”، وأكد أن هذا المطلب “لم يرفع من طرف الشعب المغربي ولا من طرف نسائنا”، وزاد: “هناك استطلاعات للرأي تؤكد أنهم غير مستعدين لمخالفة شريعتهم، وبالتالي فهذا المطلب غير ديمقراطي وغير شرعي”، مشيرا إلى أن “هناك جهات خارجية تشتغل على هذا الموضوع، ولها فلسفة في اتجاه أنه ليس هناك رجل ولا امرأة وإنما كائن بشري، وهذا فيه ظلم للمرأة أكثر”.

وتحدث السياسي ذاته عن وجود جهات أجنبية تشتغل على شقاء الأسرة والمرأة والرجل والأطفال، “لذلك على المغاربة الانتباه”، وزاد موضحا: “يريدون خلق العداوة بين الأخ والأخت، على اعتبار أن صدور قانون يلغي ما جاء في القرآن سيؤدي إلى العداوة وضرب علاقة الأخوة، وبالتالي ضرب القرآن”.


المصدر

مقالات ذات صلة

اترك تعليق

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى