خبير نفساني يلامس أسباب فرح المغاربة بجهود “أسود الأطلس” في المونديال

وسيخلد تاريخ الكرة المغربية يوم الأحد 27 نونبر 2022، بكل فخر، “ملحمة كروية رياضية” بعد الفوز التاريخي لـ”رفاق حكيم زياش” على “الشياطين الحمر” بهدفين نظيفين؛ لاسيما أنه يأتي في سياق رد “ديْن كروي قديم” حينما فازت بلجيكا على المغرب بهدف لصفر ضمن نهائيات مونديال 1994.
ولم تقتصر الاحتفالات “الهستيرية” على ساحات وشوارع المدن المغربية الكبرى؛ بل عمت أغلب المدن والمراكز القروية من شمال المملكة إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، معلنة “أمسية تاريخية طويلة” تقاسم فيها المغاربة فرحة الفوز مع بعضهم البعض، وسط “آمال عريضة” تحذوهم بالتأهل إلى الدور الثاني من مونديال قطر وتكرار الإنجاز التاريخي لـ”جيل 1986″.
وأبان الانتصار التاريخي والمستحق والانطلاقة الجيدة في تاريخ مشاركات المنتخب المغربي في نهائيات المونديال التي بصمت عليها “كتيبة” الناخب الوطني وليد الركراكي عن “تعطش كبير لمشاعر الفرح” أصبحت أغلب الفئات الشعبية تفتقده مع توالي “انتكاسات رياضية” وأزمات اقتصادية ووبائية متلاحقة خلال العقدين الماضيين.
“حرمان” يحفز شحنات الأفراح
في هذا الإطار وتعليقا على الموضوع، اعتبر محسن بنزاكور، أستاذ علم النفس الاجتماعي، أن “الاحتفالات الكبيرة التي عاشت على إيقاعها المملكة مساء الأحد ليست بالمستغرَبة عن شعب يعشق الكرة حد النخاع”، مفيدا بأنها “تكشف بجلاء عن حرمان كبير من الفرح في أوساط معظم المغاربة؛ إلا أنه انفجر يوم أمس بطريقة غير عقلانية، في أول لحظة أو فرصة متاحة”.
ومن وجهة نظر سيكولوجية، بسَط بنزاكور، في تصريح لجريدة – الإلكترونية، أن “السعادة في تعريفها النفسي تتشكل من مجموعة لحظات الفرح التي تكسر مسلسلا متواليا من الإحساس بالتعاسة”؛ وهذه الأخيرة، بحسبه، “بصمت حياة فئات شعبية كثيرة في المغرب”.
الخبير في علم النفس الاجتماعي لفت الانتباه إلى “دور حاسم لعبه الإعلام في التركيز والتجييش العاطفي والنفسي على أهمية مباراة الأسود ضد بلجيكا في مسابقة عالمية من حجم كأس العالم تنظم لأول مرة في بلاد عربية”، مشيرا إلى أنها “لم تكن مجرد مباراة كرة قدم عادية، بل لُعبت محملة بشحنات نفسية إيجابية كبيرة، مع سياقات تاريخية غير خافية من حيث تاريخ المنافسات وقيمة الخصم (ثاني تصنيف الفيفا)”.
ولم يغفل بنزاكور، في معرض حديثه ل-، الإشارة إلى “بُعد هوياتي” لا تخلو منه مباريات كرة القدم والاحتفالات التي تليها أو تسبقها، لاسيما تلك التي تلعبها المنتخبات الوطنية، مشددا على أن “الإحساس بنظرة الآخر الدونية محكوم علينا بها مسبقا تساهم بشكل كبير في الرفع من منسوب الفرح؛ بعد أن يتحول هذا الأخير إلى هدف في حد ذاته”.
واستطرد شارحا: “من الناحية الوجدانية السلوكية، يمكننا تفسير الاحتفالات العارمة، بل أكثر من ذلك أن يقترض بعض المغاربة من أجل السفر والحضور لمباريات المنتخب في قطر، لكن من الصعب قبول ذلك عقلانيا”، قبل أن يشدد على أن “هذه الأفراح ليست عابرة بل ستدوم طويلا، وهي ذات قيمة تاريخية تُعيد أمجاد مونديال 86”.
“فرح” من أجل الفرح!
في سياق متصل، أوضح بنزاكور أن “المسافات تنتفي في مثل هذه المناسبات الاحتفالية، إذ لم تعُد حاجزا؛ وكما شاهدنا ملعبا ممتلئا في الدوحة، كانت شوارع ومقاهي المملكة تغص بالمشجعين من فئات عمرية واجتماعية مختلفة”، مؤكدا أن “الهدف هو الفرح في حد ذاته، على الرغم من عدم ضمان التأهل بشكل رسمي”.
وسجل الخبير ذاته أن “الإحساس الصادق بالوطنية والانتماء يجعل من السلوك الجماعي في التشجيع متحضرا”، قبل أن يعتبر ما شهدته بلدان تعتبر متقدمة مثل هولندا وبلجيكا من “أعمال عنف وتخريب”، على الرغم من الفوز، “سلوك انفعال نشازا ينم عن غضب وغير مبرر منطقيا”، خاتما: “المغربي في المهجر يُنظَر إليه كمواطن مُهان يعيش في بلاد الغربة، وهي مشاعر تتفجر من حين إلى آخر تتجاوز استغلال الفرحة من أجل التعبير عن غضب كامن”.
المصدر