مجتمع

إلغاء المناصب التحويلية في التعليم العالي يثير جدل التكلفة وحقوق الموظفين

أثار قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، القاضي بإلغاء 700 من المناصب المالية التي كانت مخصصة، في قانون المالية لسنة 2022، لتوظيف دكاترة الوظيفة العمومية في مناصب أساتذة جامعيين، جدلا واسعا؛ فقد اعتبرت مصادر متتبعة لقطاع التعليم العالي أنه “سيُكلف الدولة نفقات مالية كبيرة، وسيحرم الجامعة المغربية من أطر راكمت تجربة وخبرة كبيرتين من عملها في الإدارة العمومية”.

وتضمّن قانون المالية لسنة 2022 بُندا يقضي بتوفير 700 منصب مالي تحويلي، وهي المناصب المخصصة للموظفين الدكاترة في الوظيفة العمومية الذين يرغبون في تغيير إطارهم إلى إطار أستاذ جامعي، بعد اجتياز مباراة؛ غير أن هذه المناصب لم تُفعّل.

وأعلن عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، خلال ندوة صحافية بمناسبة الدخول الجامعي الجديد، عن القطع مع “المناصب المالية التحويلية”، على أن تُدمج ضمن المناصب المالية المُحدثة برسم قانون المالية للسنة الجارية، والتي تُفتح في وجه جميع حاملي شهادة الدكتوراه.

ويرى معارضو القرار الذي اتخذه وزير التعليم العالي أن هذه الخطوة ستكلّف خزينة الدولة نفقات مالية إضافية كبيرة كانت توفّرها من خلال المناصب التحويلية، والتي لا تكلّف الدولة شيئا، إذ ينتقل فقط الدكاترة الموظفون من القطاعات التي يشتغلون فيها إلى التدريس في الجامعة بعد اجتياز مباراة.

وبالأرقام، فإن تحويل المناصب المالية التحويلية الـ700 إلى مناصب مُحدثة سيكلف الدولة غلافا ماليا سنويا يصل إلى نحو 110 ملايين درهم (1.1 مليار سنتيم)، باعتبار أن الأجر الأولي الذي يحصل عليه أستاذ التعليم العالي عند توظيفه يبلغ 13 ألف درهم.

هذا المُعطى أكده حسان المسكيني، رئيس الاتحاد العام الوطني لدكاترة الوظيفة العمومية والمؤسسات العامة، مشيرا إلى أن “المناصب التحويلية” كانت بالنسبة للدولة بمثابة “ربْح مالي”؛ لأنّها، وبخلاف المناصب المحدثة، لا تستدعي رصْد اعتمادات مالية جديدة. كما أن المناصب التي يُغادرها الموظفون الدكاترة في الوظيفة العمومية لا يتم تعويضها.

وكانت الدولة قد عمدت إلى إحداث المناصب المالية التحويلية، التي انطلق بها في الموسم الجامعي 2013/2014، “من أجل تسوية وضعية الموظفين الحاملين لشهادة الدكتوراه، والذين يتم توظيفهم، عن طريق المباراة، بصفة أستاذ التعليم العالي المساعد”، حسب ما هو منصوص عليه في المادة 20 من قانون المالية للسنة الجارية.

ووفق المصدر ذاته، فإن المناصب المالية التي يشغلها الموظفون الحاملون للدكتوراه، الذين التحقوا للتدريس في التعليم العالي، تُحذف مناصب المالية التي يشغلونها، في القطاعات الوزارية أو المؤسسات التي ينتمون إليها.

الخبرة والتجربة

من بين الأسباب التي ساقَها وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، لتعليل قرار إلغاء المناصب المالية التحويلية، رغبةُ الوزارة، حسب قوله، في ضخ دماء جديدة في جسم التدريس في سلك التعليم العالي؛ غير أن الموظفين الدكاترة يعتبرون ما جاء على لسان الوزير الوصي على القطاع مغالطة.

“عندما يغيّر موظف حامل للدكتوراه إطاره في القطاع العمومي الذي يشتغل فيه إلى إطار أستاذ جامعي، فإن الدولة تستفيد ماليا؛ لأنها لا تحتاج إلى إحداث مناصب مالية جديدة، ثم إن التعليم العالي يربح أستاذا راكم تجربة وخبرة اكتسبها من عمله في الإدارة العمومية”، قال موظف حامل للدكتوراه متخصص في المالية العمومية ل-.

وأضاف: “الوزير أتى وألغى 700 منصب تحويلي تم إحداثها، وتم تضمينها في قانون المالية الذي صادق عليه البرلمان ونشر في الجريدة الرسمية، ولا حق له في ذلك، وإلا فما هو دور قانون المالية والبرلمان”.

وتابع المتحدث ذاته: “عندما يلتحق موظف حامل للدكتوراه، متخصص في المالية العمومية والصفقات العمومية، مثلا، أو في أي تخصص آخر، بالتدريس في الجامعة، فإنه سيُدّرس المواد المتخصص فيها بشكل أفضل بكثير من أستاذ آخر لديه فقط شهاد دكتوراه نظرية؛ لأنه راكم تجربة كبيرة إبّان ممارسة مهامه في القطاع الذي يشتغل فيه، ومتمكّن من حيث الجانب التطبيقي أو النظري”.

هذا الطرح أيده أيضا حسان المسكيني بقوله: “وزير التعليم العالي يقول إنه يبحث من إلغاء المناصب المالية التحويلية عن تجويد التدريس في التعليم العالي.. وهذه مغالطة؛ لأن الأستاذ الذي سيأتي من الإدارة العمومية يتوفر على تجربة كبيرة، بخلاف الحاصلين على الدكتوراه الذي لم يزاولوا أي وظيفة، وليس لديهم أي مؤهَّل سوى شهادة الدكتوراه التي يحملونها”.

وأضاف المتحدث ذاته أن بعض الدول تشترط في المرشحين لشغل منصب أستاذ جامعي ضرورة أن يكون قد راكم تجربة مهنية؛ “لكن وزير التعليم العالي عندنا ذهب في الاتجاه المعاكس”، على حد تعبيره.

وفيما يخص تشبيب الطاقم التدريسي في الجامعة، اعتبر المصدر ذاته أن “أكثر من 78 في المائة من الموظفين الحاملين للدكتوراه لا تتعدى أعمارهم 45 سنة على الأكثر؛ وإذا أخذنا بعين الاعتبار أن سنّ تقاعد الأساتذة محدد في 65 سنة، مع قابلية التمديد إلى 70 سنة، فهذا يعني أن الجامعة المغربية ستربح ما بين 20 سنة إلى 25 سنة من أطر الوظيفة العمومية التي راكمت تجربة مهمة”.

وحسب المعطيات التي قدمها المسكيني، فإن نسبة موظفي الإدارات العمومية حاملي الدكتوراه الذين تزيد أعمارهم على 50 سنة لا تتعدى 5 في المائة، مشيرا إلى أن أغلب الدكاترة تم توظيفهم خلال الفترة ما بين 2006 و2011 في إطار سياسة توظيف الأطر العليا المعطلة التي نهجتها الدولة، وأن سنّ أغلب هؤلاء يتراوح ما بين 37 و45 سنة.

تأجيج للاحتقان

التوجه نحو إلغاء المناصب المالية التحويلية ليس مستجدا، فقد طرحه سعيد أمزازي، وزير التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي السابق، سنة 2018؛ غير أنه لم يُنفّذ.

وفي الوقت الذي عبّر فيه الموظفون الحاملون لشهادة الدكتوراه عن رفضهم لتوجه عبد اللطيف ميراوي، وزير التعليم العالي الحالي، المُضي في تنفيذ هذا المخطط؛ فإن هذا المسؤول الحكومي يَعتبر أن المناصب المالية التحويلية “هي مسطرة استثنائية تم اللجوء إليها في السنوات الأخيرة بسبب قلة المناصب المالية المخوّلة للوزارة سنويا”، حسب ما جاء في جوابه عن مراسلة لمؤسسة وسيط المملكة، ردا على تظلم رفعه إليها الاتحاد الوطني للدكاترة المعطلين بالمغرب.

ولا يُعرف ما إن كانت الحكومة ستُقدم بديلا للموظفين حاملي الشهادات في جال تفعيل قرار إلغاء المناصب المالية المُحدثة؛ ذلك أن هذا القرار يعني بالنسبة إليهم “حرمانهم من تحسين وضعيتهم، وهذا ما سيدفعهم إلى المطالبة بإحداث نظام أساسي خاص بهم، وسيؤدّي إلى احتقان في الإدارة العمومية”، حسب المصدر الذي تحدث إلى -.

في هذا الإطار، قال رئيس الاتحاد العام الوطني لدكاترة الوظيفة العمومية والمؤسسات العامة: “إلى حد الآن، لم يقترح وزير التعليم العالي أي بديل لفائدة الموظفين الحاملين لشهادة الدكتوراه. وإذا ألغت المناصب المالية التحويلة التي كانت مخصصة لهم فهذا يعني إقبارَهم؛ اللهم إذا كانت الحكومة ستُحدث نظاما أساسيا خاصا بهم، أو تمكينهم من تغيير إطارهم إلى إطار أستاذ باحث في القطاعات العمومية التي يشتغلون فيها، وهذا سيحلّ المشكل”.

المصدر

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. دى تبديل الإطار الذي يهم المناصب التحويلية المباشرة الخاصة بالأساتذة الثانوي التأهيلي الذين يدرسون مند سنين عدة والمحسوبين على التعليم العالي والحاملين للدكتورة.
    الحق يقال كما قاله الأخر: وصول فئة من الموظفين الى الجامعة عبر مناصب تحويلية، وهذه فئة ضعيفة التكوين ، منعدمة النظر العلمي ، يعتقد اصحابها ان الجامعي هو اعداد ومناقشة اطروحة .. فهذه فئة أجهزت على ما تبقى من ماء وجه الجامعة، واخيرا هروب الجامعيين الاكاديميين اما الى تقاعدات نسبية او الى افراغ الكلية الا من محاضرة واجبة نظرا للأجواء السلبية السائدة فيها …

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: